يتجدد موضوع الاحتيال الإلكتروني مع كل عملية احتيال تقع في العالم، في الوقت الذي أصبحت بنوك دول المنطقة تتعرض لهذا النوع من الاحتيال لعدة أسباب من جملتها نقص الاحترازات المتخذة في الأنظمة التقنية المصرفية بالاضافة إلى ضعف أنظمة الحوكمة والرقابة من قبل تلك المؤسسات.
ولا شك أن متابعة مثل هذا النوع من الاحتيالات تحتاج إلى بذل جهود دولية؛ لأن مصارف المنطقة تتعامل اليوم مع كبريات الشركات والمؤسسات التي تقوم بإصدار بطاقات الائتمان وسابقة الدفع وغيرها من التسهيلات التي تقدمها لزبائن المصارف. ومنذ أيام مضت تمكنت السلطات الامريكية والألمانية من القبض على بعض الاشخاص الذين اضطلعوا في الاحتيال الإلكتروني لبعض البنوك في الشرق الأوسط ومنها بنك مسقط الذي سبق له أن أعلن في شهر فبراير الماضي أنه تعرض إلى هذا النوع من الاحتيال، وأنه سيجنب ما يصل قيمته 15 مليون ريال عماني (39 مليون دولار) كمخصصات خسائر بعد هذه العملية الاحتيالية التي تمت من قبل بعض المحتالين ومن خلال عدد صغير من بطاقات السفر سابقة الدفع، حيث تعرض البنك إلى هذه السرقة من خلال عمليات تمت عبر الفروع في الخارج.
وقبل يومين أشارت وسائل الاعلام العالمية إلى أن ممثلين من الادعاء العام في ألمانيا ألقوا القبض على شخصين هولنديين يشتبه في ضلوعهما بسرقة إلكترونية لمبلغ 45 مليون دولار من بنكين في الشرق الأوسط، أحدهما بنك مسقط، مشيرة إلى أن مكتب المدعي في مدينة دوسلدورف الألمانية ألقى القبض على شخصين وهما يسحبان 170 ألف يورو في دوسلدورف باستخدام بطاقات ائتمانية لبنك مسقط، حيث تم سحب 2.4 مليون دولار إجمالا في سبع مدن ألمانية أخرى، فيما أفاد ممثلو ادعاء أمريكيون أن أعضاء في شبكة عالمية متخصصة في الجرائم الإلكترونية سرقوا 45 مليون دولار من عدة آلاف من آلات الصرف الآلي في غضون ساعات باستخدام بيانات بطاقات مصرفية مسروقة، نتيجة قيامهم باختراق اثنين من أجهزة قراءة بطاقات الائتمان واستخدموا البيانات المسروقة لإجراء أكثر من 40500 عملية سحب في 27 دولة في حادثين منسقين وقعا في ديسمبر وفبراير الماضيين.
نتيجة لذلك اتهمت الحكومة الأمريكية ثمانية أفراد في نيويورك بالمشاركة في مخطط الاحتيال الكبير بسحب 2.8 مليون دولار عبر آلاف المعاملات التي أجريت بآلات الصرف الآلي، حيث وصفت ممثلة الادعاء الأمريكية تلك العملية بأنها ثاني أكبر سرقة مصرفية في تاريخ مدينة نيويورك. وفي اعتقاد هؤلاء المحققين بأن مقر التنظيم العالمي يقع خارج أمريكا وان الاتهامات الحالية مقصورة على الخلية المتمركزة في نيويورك، في الوقت الذي يجري البحث عما إذا كانت هناك خلايا تعمل في مناطق أخرى بالولايات المتحدة. وليس من المستبعد أن نقرأ تفاصيل أخرى حول كشف خيوط جديدة تتعلق بهذه العمليات قريبا، الأمر الذي يتطلب تعزيز التعاون بين مختلف المؤسسات التي تعنى بهذه القضايا للقبض على هذه العصابات الدولية.
إن عمليات السرقات والاحتيال والجرائم الإلكترونية أصبحت اليوم تمثل خطراً كبيراً على البنوك في العالم، وتشكّل أحد التحديات الرئيسية التي تواجه هذا القطاع الذي يقدّم عشرات الخدمات والتسهيلات للناس في أنحاء متفرقة من العالم من خلال توفير البطاقات الالكترونية لزبائنها لكي يتمكنوا من إنجاز معاملاتهم ومهامهم في أية بقعة من هذه المعمورة. ففي القضية التي نحن بصددها تشير المعلومات الى أن المحتالين تمكنوا في ساعات معينة من التسلل إلى عشرات أنظمة المصارف وإلحاق الضرر بأصولها المالية وإلحاق خسائر جسيمة تصل إلى ملايين من الدولارات. وكانت نتيجة ذلك أن تعرض بنك مسقط إلى هذا الاحتيال مع بنك آخر في رأس الخيمة، حيث تمكن المتسللون من اختراق جهاز هندي لقراءة بطاقات الائتمان استخدمت فيه بطاقات صرف آلي مسبقة الدفع تابعة لشركة ماستركارد وصادرة من بنك رأس الخيمة الوطني في شهر ديسمبر من العام الماضي، فيما أظهرت اللائحة أنه في هجوم فبراير اخترق المتسللون نظام جهاز لقراءة البطاقات الائتمانية في الولايات المتحدة لسرقة أرقام حسابات تخص بطاقات صرف ماستركارد مسبقة الدفع صادرة من بنك مسقط، حيث كانت هذه العملية أكبر كثيرا من الأولى إذ كبدت بنك مسقط حوالي 40 مليون دولار وفق البيان الأخير للسلطات الامريكية. وقد ألقت السلطات القبض على عدد من المتهمين ممن لهم صلة بمخطط الاحتيال.
ومن هنا نؤكد بأن التقنيات المستخدمة في الأمور المصرفية أصبحت اليوم تشكّل خطراً كبيراً على القطاع المالي نتيجة لتنامي عمليات التحايل المالي الالكتروني في عدة دول في العالم وذلك بسبب الاستخدام المفرط للبطاقات الالكترونية من جهة، وعدم سد الثغرات التي يتمكن خلالها المحتالون من استغلال أي أمر في عمليات السحب أو تحويل وتحريك أرصدة الزبائن من جهة أخرى، الأمر الذي يتطلب أخذ المزيد من الاحتياطات الأمنية من قبل البنوك والمؤسسات المالية للحد من عمليات الاحتيال والاختراق في الأنظمة المالية. كما يتطلب هذا الأمر وجود أنظمة وقوانين لحماية أصحاب الحسابات وزبائن البنوك، وتعزيز التوعية من قبل المؤسسات المعنية حول جرائم الاحتيال والنصب.
والكل يعلم بأن انتشار شبكة المعلومات الدولي “الإنترنت” تساهم وبشكل كبير في تسهيل عمليات قرصنة الاحتيال المصرفي، حيث تنامت هذه العمليات خلال السنوات الماضية، وأصبحت تشكل تحدياً جديدا للقطاع المصرفي الذي يبذل هو الآخر جهودا مصنية لتطوير أنظمته الفنية والالكترونية من جهة، ويعمل على تطبيق أفضل معايير أمن تجاه المعلومات لحمايتها من عبث الآخرين، وبتطبيق ضوابط صارمة ضد عمليات الاحتيال المالي والمصرفي، وممارسة أفضل المعايير الأمنية المتعارف عليها دولياً فيما يتعلق بأمن المعلومات المرتبط ببطاقات الصرف الآلي، ونقاط البيع، والتحويلات عبر الشبكة العنكبوتية وحمايتها بالتحقق من هوية زبون البنك.
نحن نعيش في عالم مبدع لأسس وأنظمة عديدة ومتناقضة أحيانا، فكلما تتقدم علوم التقنيات الحديثة في مجال حماية أنظمة المصارف والمال، نجد هناك نشاطا أكبر في عمليات القرصنة والاحتيال بشكل موازٍ تتم بطرق وأنظمة وعلوم جديدة من خلال قرصنة المعلومات وسرقة حسابات الزبائن والدخول إليها ونقل أموالهم، بحيث أصبحت هذه العمليات الاحتيالية تتم عبر القارات وليس من خلال مدينة أو منطقة معينة. وفي هذا الصدد يؤكد عدد من الخبراء على أن البنوك في المنطقة غير محصنة بالصورة المطلوبة بسبب ضعف الأنظمة والتقنيات التي تعمل بها، الأمر الذي يؤدي إلى عدم قدرتها أحيانا في حماية مؤسساتها أو حماية زبائنها وحساباتهم أو إيقاف حساب المحتالين في تلك اللحظة.
فمثل هذه العمليات تتطلب احيانا اللجوء إلى الأجهزة الأمنية والبنوك المركزية وإثبات حالات الاحتيال، مما يسهل الأمر للمحتالين أحيانا بالتصرف في الأموال من خلال سحبها أو توزيعها على عدد من الحسابات المتعددة. ومثل هذه القضايا - بلا شك - تتطلب من البنوك أن تتحمل المسؤوليات الإدارية والفنية التي تقع عليها في حالة حدوث أية عملية احتيال أو اختلاس، والعمل على سن أنظمة وقوانين صارمة تحد من الاحتيال المالي والمصرفي، وتعزيز ورفع مستوى الوعي عند الزبائن بضرورة الحفاظ على سرية بطاقاتهم.
Best Wishes:
Dr.Ehab Aboueladab, Tel:+201007834123,Email:ehab10f@gmail.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق