لقد تقدمت البشرية تقدماً مبهراً و ذلك بالاعتماد على البحث العلمي (Scientific Research) في كل مناحي الحياة، و يحتاج العلم إلى تراكم المعارف و متابعة النتائج و تضافر جهود العلماء و الباحثين حتى الوصول إلى المنتج النهائي. و البحث العلمي هو أسلوب منظم في جمع المعلومات الموثوقة وتدوين الملاحظات والتحليل الموضوعي لتلك المعلومات باتباع أساليب ومناهج علمية محددة بقصد التأكد من صحتها أو تعديلها أو إضافة الجديد لها، ومن ثم التوصل إلى بعض القوانين والنظريات والتنبؤ بحدوث ظواهر معينة والتحكم في أسبابها. كما هو الوسيلة التي يمكن بواسطتها الوصول إلى حلِّ مشكلة محددة، أو اكتشاف حقائق جديدة عن طريق المعلومات الدقيقة. و بالطبع يتعرف العلماء و الباحثين و الناس جميعاً على النتائج و الأخبار الجديدة عن طريق قراءة ما ينشر من تلك الأبحاث و التي كانت في بدايتها و مازالت تنشر مكتوبة حسب نظم و أطر محددة، ثم تطورت أخيراً لتصبح في شكل نشر إليكتروني أيضاً. و لقد حقق النشر العلمي إنجازات هامة و صائبة، و لكن حالياً يصاحب النشر عديد من المشاكل و المصائب و التي ربما تؤثر على مصداقية و جدارة الأبحاث المنشورة و نتائجها، و هذا ما سوف نستعرضه في مقالنا هذا.
عملية النشر:
تهتم جامعات و مراكز البحوث العالمية بنشر نتائج أبحاثهم العلمية في أوعية النشر المحكمة و التي تتبنى المعايير العلمية الرصينة من دوريات علمية متخصصة أو كتب أعمال المؤتمرات (Proceedings) من أجل تبادل المعرفة و النتائج لكي تستمر الأبحاث و تتكامل نتائجها و أهدافها. و تعتبر الدوريات العلمية (Periodicals) شرياناً هاماً من شرايين المعلومات في المكتبات ومراكز المعلومات وخاصة المكتبات الأكاديمية التي تولي اهتماماً خاصاً للدوريات العلمية في مختلف مجالات المعرفة.
و لقد ظلت الدوريات المطبوعة هي السائدة في مقتنيات المكتبات الأكاديمية حتى قبيل نهايات القرن الماضي وقبل التحول الجذري في وسائل نقل المعلومات إلى الوسيط الآلي الذي يزداد يوماً بعد يوم. و من المعلوم أن عمليات النشر العلمي بدأت مع منتصف القرن التاسع عشر، و لكن تطورت الأمور مع تقدم العلوم و وسائل النشر، فأصبحت هناك جهات تنشر البحوث (دور نشر/ناشرون Publishers) تتولى تلقي تلك البحوث و ترسلها لمحكمين و مراجعين محترفين يتولوا التقييم العلمي للنتائج المستخلصة. و في حالة موافقتهم يتم طبع الأبحاث في مئات/آلاف النسخ من المجلدات (Print Edition) أو الميكروفيلمي (الميكروفيش والميكروفيلم (Microform و ترسل لكافة الجهات العلمية المشتركة حول العالم لتكن متاحة في مكتباتها لاطلاع العلماء و الباحثين عليها. ثم تطور شكل النشـــر ليصبح الآن على شكل إليكتروني للدوريات (E-Journals) عن طريق شبكة الانترنت(Internet) أو على الأقراص المدمجة.
و الدوريات هي المجلات، والمجلات العلمية والصحف والنشرات الإخبارية التي يتم نشرها على فترات منتظمةو بصفة دورية، كالصحف اليومية، والمجلات الأسبوعية، والمجلات الفصلية فكلها دوريات. و هناك فرق بسيط بين المجلة العلمية (Scientific Magazine) و الدورية العلمية (Scientific Periodical)، فالأولى تكون لغتها بسيطة وسهلة الفهم لجميع الفئات، و تنشر الجديد في أخبار العلوم للعامة والناس العاديين من غير المتخصصين، أما الثانية (الدورية العلمية) فتكون موجهة للباحثين والأكاديميين و يتم تحكيم كل ما ينشر بها.
و من الأمثلة على المجلات العلمية مجلة "ساينتفك أمريكان" (Scientific American)، وكان أولصدور لها عام 1845م، و مجلة "نيو ساينتست" (New Scientist) الأمريكية أيضاً، وفي عالمنا العربي ظهرت مجلة العلم (مصرية، عام 1976) و مجلة العلوم والتقنية (سعودية) و مجلة البيئة و التنمية (لبنانية) و مجلة التقدم العلمي (كويتية)، و الموقع الإليكتروني لـ " منظمة المجتمع العلمي العربي" و كذلك المجلات العلمية بالكليات و المعاهد العلمية المختلفة .و أحياناً كثيرة ما يطلق على الدورية أنها مجلة علمية أيضاً. و تصدر تلك الدوريات و المجلات في مجلدات سنوية (Volume) تضم أعداداً(Issue/Number) تصدر بمعدل شهري أو كل شهرين أو ربع سنوية أو نصف سنوية أو سنوية، طبقاً لسياسة دار النشر.
و من أقدم الدوريات العلمية مطبوعة "نيتشر" ( (Natureو تعنى الطبيعة، وهي دورية علمية أسبوعية بريطانية تصدر بالإنجليزية، تعتبر من أبرز الدوريات العلمية في العالم وقدنشرت لأول مرة في 4 تشرين الثاني/نوفمبر1869 م بمعرفة الفيزيائي البريطاني السير "جوزيف نورمان لوكير" (Joseph NormanLockyer) الذي كان رئيس تحريرها إلى العام 1919، و بدأت متخصصة في مجالي الفيزياء والأحياء، وحالياً في كافة مجالات العلم والتكنولوجيا، وأصبحت تصدر حديثاً باللغة العربية (بدأ من أكتوبر/تشرين أول 2012).
و تليها دورية "ساينس" (Science) وتعنى العلم و هي دورية علمية أسبوعية أيضاًتنشرها الجمعية الأمريكية لتقدم العلوم (ASAS)، وبصفة عامة تعتبر من أكثر الدوريات المرموقة في مجال العلوم أيضاً. وقد أسسها الصحفي "جون مايكلز" (John Michaels) في نيويورك، في العام 1880، بدعم مالي من قبل "توماس إديسون" (Thomas Edison)، ثم من "ألكسندر غراهام بيل" (Alexander Graham Bell).
و الدوريات العلمية (Periodicals) في الغالب هي دوريات غير ربحية، تنضوي عادة تحت مظلة جامعة أو مؤسسة أكاديمية أو بحثية، وتطلب من الباحث أحياناً دفع بعض تكاليف الطبع والنشر، كما أنها قد تقبل أحياناً بنشر بعض المواد الإعلانية لتغطية جزءاً من التكاليف، وعادة ما يكون طاقم التحرير في الدورية من أساتذة الجامعة والباحثين غير المتفرغين تماماً للعمل في التحرير (عمل تطوعي)، إلا أنه كثيراً ما تسند الأمور الإدارية والتنسيقية لموظفين متفرغين.
وتتواجد في نفس الوقت العديد من الدوريات/المجلات العلمية التابعة لمؤسسات نشر وتوزيع تجارية تتربح من رسوم النشر في المجلة، أو من بيع أعدادها، أو من رسوم الاشتراك (Subscriptions) في دورياتها، أو من بيع الكتب أو مجموعات علمية من الأبحاث المنشورة في موضوعات علمية معينة وهكذا، وعادة ما يكون العاملون في مثل هذه الدورية/المجلة من المتفرغين. و من الملاحظ أن غالبية الدوريات العلمية العالمية المرموقة التي تصدرها دور نشر ذات سمعة طيبة و تاريخ مشرف في مجال النشر العلمي (مثل Springer، Elsevier، Academic Press،BioMed Central، ScienceDirect) تنشر بدون مقابل مادي.
النشر الإليكتروني و التطورات الحديثة:
النشر الإلكتروني ( Electronic Publishing أو e-Publishing ) هو النشر الرقمي للكتبوالمقالات الإلكترونية، وتطوير الكتالوجات والمكتبات الرقمية. و لقد أصبح النشر الإلكتروني شائعاً في مجال النشر العلمي منذ بداية تسعينيات القرن العشرين، وعلى الرغم من أن التوزيع عن طريق الإنترنت عبر المواقع مرتبط جداً بمصطلح النشر الإلكتروني، إلا أنه يوجد الكثير من طرق النشر الإلكتروني الأخرى كالموسوعات التي تكون على قرص مضغوط (CD)، بالإضافة إلى المنشورات المرجعية والفنية التي يعتمد عليها المستخدمون المتجولون بدون اتصال عالي السرعة بالإنترنت.
وقد وفر النشر الإليكتروني مزايا عديدة منها: خفض نفقات التكلفة - اختصار الوقت و سرعة الوصول- زيادة الكفاءة والفعالية في استخدام المعلومات -يتماشى مع تطور ايقاع الحياة في المجتمعات- الربط و التقريببين الباحثين حول العالم مما أدى إلى اختصار الزمان و المكان- القضاء على مركزية وسائل الاعلام - زوال الفروق التقليدية بين وسائل النشر المختلفة - تكوين واقع جديد وهو الواقع الافتراضي.
ومنذ بضع سنوات تسارعت خطى النشر الإلكتروني حتى أصبحت نسبة كبيرة من الدوريات العلمية (Periodicals) تنشر إلكترونياً بجانب النشر الورقي، بل تعدى هذا إلى صدور الكثير من الدوريات المتخصصة في مجالات مختلفة في وسيط إلكتروني فقط. هذا سهل أيضا عملية تقديم البحوث للنشر إلكترونياً عبر شبكة الانترنت (User-friendly online submission) و أيضاً عمليات تحكيم البحوث إلكترونيا (E-peer-review system)، و أيضا عملية إصدار هذه الدوريات المتخصصة، مما ساهم في خفض تكلفة النشر والإصدار وليس هذا فحسب بل سهل أيضاً عملية توزيع هذه الدوريات ووصولها إلى المهتمين بها. وفي ظل ارتفاع أسعار الدوريات الورقية وتزايد العبء المالي على ميزانية المكتبات الأكاديمية، فقد وجدت هذه المكتبات في الدوريات الإلكترونية مخرجاً للاشتراك في أكبر عدد ممكن من عناوين الدوريات وبأسعار أقل من الاشتراك المعتاد في الدوريات الورقية.
و كما أحدثت الإنترنت ثورة في عملية إنتاج وتوزيع الدوريات/المجلات العلمية وفي سهولة الوصول إليها فقد سهلت محركات البحث - كالباحث العلمي من جوجل "جوجل سكولار" (Google Scholar) مثلاً -عملية الوصول للأبحاث بشكل كبير، وقد علت في الآونة الأخيرة الأصوات المنادية بنشر الأبحاث العلمية بشكل شخصي على مواقع الباحثين أنفسهم حتى يسهل الوصول لها دون دفع رسوم، أو حتى بنشرها في أي من الدوريات العلمية التي توفر جميع محتويات أعدادها بشكل مجاني على شبكة الإنترنت فيما يعرف "الوصول الحر" (Open Access) أو "الإتاحة الالكترونية المجانية"( Free Online Access) ، إلا أن مثل هذه الدوريات/المجلات ما زالت قليلة وتواجدها محدود في بعض تخصصات العلوم التطبيقية والحياتية. وتحاول العديد من الدوريات العلمية التجارية في الوقت الحالي وضع تصور لطريقة ما تمكنهم من توفير المحتوى العلمي بشكل مجاني دون التأثير على جودة و رصانة المحتوى العلمي و أيضاً هامش الربح في نفس الوقت.
ولو أن فكرة الوصول الحر (Open Access) كانت أكثر من ممتازة، فهي تتيح الوصول الإلكتروني الخالي منأية عوائق أو قيود للإنتاج الفكري العلمي عبر شبكة الإنترنت لجميع المستفيدين والوصول للمقالات بالدوريات العلمية والأطروحات وفصول الكتب و التغلب على كافة مصاعب النشر العلمي خاصة لأبناء العالم النامي الفقراء. و لكن حالياً (و للأسف) تركزت في هذا النظام كل مصائب و هموم النشر العلمي و الاحتيال و النصب الاكاديمي بهدف تجاري فقط مع تدهور الجودة العلمية. و قبل الخوض في تلك المأساة، دعونا نحكى لكم كيف تتم عملية نشر الابحاث العلمية طبقا للأطر الرصينة التي اعتادها الباحثين و العلماء طيلة الفترات السابقة.
عملية تحكيم الأبحاث:
يتضمن العرف الأكاديمي قيام الباحث بمراسلة إحدى الدوريات العلمية المحكمة (Periodicals) في مجال تخصصه عند فراغه من تنفيذ بحثه و شروعه في الكتابة، حتى تقوم الدورية بتسلمه و تسير في خطوات النشر. و تعتمد معظم الدوريات العلمية والأكاديمية والعديد من الكتب العلمية (ولكن ليس كلها)، على شكل ما من أشكال استعراض الأقران أو التحكيم التحريري (Peer-review) لتأهيل النص للنشر. و يستعرض الأقران (المحكمين) جودة المقال أو البحث ومعاييره والتي تختلف اختلافا ًكبيراً من دورية إلى أخرى ومن ناشر إلى آخر ومن حقل علمي إلى غيره.
وفي المجمل العام عند استلام الدورية لمسودة البحث (Manuscript) يقوم المحرر (Editor-in-Chief) بمراجعة سريعة له ليقرر الاستمرار في عملية نشر البحث أو رفضه ابتداءً، ثم تبدأ بعدها علمية التحكيم، فيقوم المحرر باختيار و مخاطبة عدد (2-3) من الخبراء/الباحثين المتخصصين في موضوع البحث المراد نشره (استعراض الأقرانPeer-review ). ويقوم كل محكم بتقييم البحث وكتابة تقرير منفرد و مفصل عنه يوضح فيه رأيه في قيمته العلمية وطريقة عرضه، ثم يستخدم المحرر هذه التقييمات ليتخذ قراراً بنشر البحث أو رفضة، وربما يطلب من الباحث القيام ببعض التجارب المكملة أو التعديلات في المتن (سواء جوهرية أو بسيطة) ثم يجيز البحث للنشر. وقد تختلف سياسة التحكيم من دورية لأخرى، فتختلف أعداد المحكمين وطريقة اختيارهم في كل دورية.
وتقوم بعض الدوريات باطلاع المحكمين على شخصية كاتب البحث بينما تقوم دوريات أخرى بإخفائه، كما تختلف شدة المعايير في قبول الأبحاث والقيمة العلمية المطلوبة في البحث المنشور من دورية لأخرى، وتتباين أيضاً الفترة التي تحتاجها المجلة ليمر البحث بجميع مراحل النشر والتحكيم من يوم استلامه، إلا أنه في العادة ما تكون الفترة طويلة نوعاً ما (3-6 أشهر(. وتتم عملية التحكيم هذه في سرية تامة و بمنتهى الحيادية و الشفافية، و تعتبر عملية ضرورية لضمان جودة الأبحاث العلمية المنشورة والتأكد من صحة المعلومات الواردة فيها، وهو أمر لا بد منه حتى يستطيع الباحثون الاعتماد على ما سبق من الأبحاث وتكوين تراكمية بحثية تسمح للمجال العلمي أن يتقدم للأمام.
القيمة الاعتبارية للدوريات العلمية:
تستمد الدوريات العلمية المحكمة (Periodicals) قيمتها الاعتبارية عبر الزمن، وعادة ما تشتهر بضع دوريات معينة في كل تخصص أكاديمي بشكل أكبر من غيرها فتستقبل عدداً أكبر من طلبات نشر البحوث وتكون انتقائية في قبول الأبحاث بشكل أكبر من غيرها، مما يمكنها من الحفاظ على سمعتها ومكانتها في مجالها العلمي. إلا أن هذا لا يعني أبداً أنه من الضروري أن تكون الدوريات الأقل شهرة ذات قيمة علمية أقل أو معايير أضعف في اختيار الأبحاث.
ويعتبر معامل التأثير (Impact Factor) هو مقياس لأهمية الدوريات العلمية المحكمة ضمن مجال تخصصها البحثي، ويعكس معامل التأثير مدى إشارة الأبحاث الجديدة للأبحاث التي نشرت سابقاً في تلك الدورية والاستشهادبها، وبذلك تكون المجلة التي تملك معامل تأثير (IF) مرتفع دورية مهمة تتم الإشارة إلى أبحاثها والاستشهاد بها بشكل أكبر من تلك التي تملك معامل تأثير منخفض. وقد تم ابتكار معامل التأثير من قبل "إيوجين جارفيلد"(Eugene Garfield) مؤسس المعهد العلمي للمعلومات ISI(Institute for ScientificInformation) بأمريكا، وتقوم بعض المؤسسات حالياً كـمؤسسة "تومسون رويترز" (Thomson Reuters) بحساب معاملات التأثير بشكل سنوي للدوريات العلمية المحكمة المسجلة لديها ونشرها سنوياً في ما يعرف بتقارير استشهاد الدوريات (Journal Citation Reports)، والتي يتم فيها تصنيف الدوريات بحسب معاملات التأثير.
كما توجد أيضاً مقاييس أخرى يمكن استخدامها كمؤشرات على أهمية الدوريات العلمية المحكمة، كعدد المرات التي تستشهد الأبحاث فيها بالأبحاث المنشورة في المجلة منذ نشأتها، والمدة الزمنية التي تستغرقها الأبحاث حتى تبدأ الأبحاث الأخرى بالاستشهاد بها، ومتوسط عمر البحث الذي تتوقف بعده الأبحاث عن الاستشهاد به، إلا أن الكثير من التساؤلات تحوم حول جدوى مثل هذه المقاييس وقدرتها على قياس أهمية الدوريات العلمية.
طريقة حساب معامل التأثير(IF):
معامل التأثير لدورية ما في سنة معينة هو عدد المرات التي تم الاستشهاد فيها بالأبحاث المنشورة في تلك الدورية خلال السنتين السابقتين لها منسوباً للعدد الكلى للأبحاث المنشورة بتلك الدورية في تلكما السنتين المحددتين، فإذا كان معامل التأثير لدورية ما هو 5 في عام 2014 مثلاً، تكون الأبحاث التي نشرت في السنوات 2012 و 2013 في تلك الدورية قد تم الاستشهاد بأبحاثها بمعدل 5 استشهاديات لكل بحث، ويكون معامل التأثير قد حسب بالشكل التالي: معامل التأثير = أ\ب
حيث أن: أ = مجموع عدد الاستشهاديات التي تلقتها جميع الأبحاث المنشورة في تلك الدورية خلال السنتين 2012 و 2013. ب = عدد الأبحاث الكلي التي يمكن الاستشهاد بها والتي نشرت في تلك الدورية خلال هاتين السنتين 2012 و 2013.
ولا يمكن حساب معامل التأثير لدورية ما إلا بعد مرور سنتين على تاريخ صدورها وتسجيلها في أحد الفهارس الإلكترونية، وقد تتأثر بعض الدوريات بطريقة الحساب هذه عند عدم إصدارها لأي منشورات خلال سنة معينة، حيث أن طريقة الحساب مرتبطة بشكل مباشر بالفترة الزمنية التي تحسب فيها، لذا فإن تقارير استشهاديات الدوريات (Journal Citation Reports) تورد أيضاً قيماً لمعامل التأثير محسوبة على فترة خمس سنوات.
يواجه معيار معامل التأثير (IF) العديد من الانتقادات، فعلاوة على الجدل القائم حول جدوى وجود مقاييس معيارية للاستشهاديات أصلاً، فإن الانتقادات لمعامل التأثير تتمحور بشكل أساسي حول صحة مدلول هذا المقياس وإمكانية سوء استغلاله ثم الأخطاء التي يمكن أن تتم عند استخدامه. فيرتبط معامل التأثير ارتباطاً وثيقاً بالمجال العلمي للدورية (علوم حياتية أو علوم فيزيائية أو رياضية)، و استخدام المتوسط الحسابي لا يعبر بشكل صحيح عن التوزيع الاحتمالي لهذا المعامل، كما أن "الاستشهاد الذاتيCitation Self " ربما يستعمل من قبل البعض لزيادة معامل التأثير، كما يمكن للدوريات أن تتبنى بعض السياسات التي ترفع من قيمة معامل التأثير دون رفع المستوى العلمي للدورية بشكل فعلي. و على الرغم من فائدة معامل التأثير هذا فإنه في العام 2007 أصدرت الجمعية الأوروبية للمحررين العلميين (EASE) بياناً تنصح فيه باستخدام معامل التأثير (وبحذر) لقياس ومقارنة الدوريات العلمية المحكمة فقط، وليس لتقييم أبحاث أو باحثين معينين.
الاحتيال في النشر العلمي (مصائب و هموم):
ورغم التقدم الكبير في النشر العلمي و خاصة الإليكتروني، فإن يد المحتالين بدأت تزحف عليه، و خاصة مع إصرار الجهات البحثية و الأكاديمية (وخاصة في العالم النامي) ضرورة النشر في دوريات علمية عالمية كشرط للترقي للباحثين. و بالعادة فإن معامل و مزارع و ورش باحثي الدول النامية و الظروف الحياتية لهم تفتقر للإمكانيات التي تمكنهم من إنتاج بحوث علمية عالية المستوى تنافس قريناتها بالعالم المتقدم، لذا يصعب تحقيق المتطلبات الأساسية للنشر في الدوريات العالمية المرموقة.
و أيضاً الحاجة الملحة تدفع البعض لسرعة نشر أبحاثهم في الدوريات ذات السمة الدولية. و قام ضعاف النفوس في السنوات الأخيرة باستغلال ذلك و أنشأوا عديد من المواقع الوهمية (Fake Scientific Journals/publishers) على شبكة الإنترنت بمسميات براقة لدوريات عالمية تقبل نشر البحث (كدوريات دولية أو عالمية) مقابل سداد نفقات مالية باهظة ترهق كاهل الباحثين، دونما مراعاة لقواعد النشر العلمي من مراجعة و تحكيم تلك الأبحاث و مراعاة جودة النشر. و للأسف وقع آلاف من الباحثين المحتاجين للنشر الدولي ضحية تلك العصابات، بل تسارع انتشار تلك الدوريات و دور النشر الوهمية كالنار في الهشيم لتشمل كل دول العالم، بل و يتولى إدارة هذه المواقع أناس محترفون في التعامل الإليكتروني، و ذوو خبرة عالية في الإيهام و الإيقاع بضحاياهم، و للأسف غالبيتهم من دول العالم النامي.
و وصلت الجرأة بهؤلاء النفر بالاستيلاء على أسماء دوريات راسخة (وخاصة تلك التي ليس لها بعد مواقع إليكترونية). و لقد رصد الخبير الصربي "وكيتش تين" (Lukić Tin) و زملائه قرابة خمسمائة دورية مشبوهة في بحثهم القيم (نشر في سبتمبر/أيلول 2014م في دورية Geographica Pannonica المجلد 18و الصفحات:69-81)عن تلك الظاهرة التي تشوه النشر العلمي. وكم قابلنا من مآس و هموم و مصائب عديدة لأبنائنا و زملائنا خلال فحص أبحاثهم العلمية للترقية، فكثيراً ما نجد تلك التي يشار إليها (أو يحمل اسمها) صفة الدولية أو العالمية أو الأمريكية أو الأوربية، و هي تعج بأخطاء علمية قاتلة و هنات و سقطات مطبعية لا تغتفر و لا تقع فيها دوريات محلية متواضعة المستوى.
هذا ما دفع كاتب تلك المقالة لتتبع تلك المصاعب و المصائب و الهموم، فتبين لنا أننا أمام عصبات شديدة الاحتراف، مجهولة العنوان، جشعة و مبتزة للأموال. تتخذ من الفضاء الافتراضي مأوى لها، و تعشعش أساساً في بعض البلدان كالهند و نيجيريا و الصين و باكستان لتزاول نشاطها الهدام. و قد أحسن المشرع المصري حين أصدرالقرار الوزاري رقم 520 بتاريخ 28 فبراير 2013 و الخاص بقواعد التشكيل والإجراءات المنظمة لعمل اللجان العلمية لفحص الانتاج العلمي للمتقدمين لشغل وظائف الأساتذة و الأساتذة المساعدين بالجامعات المصرية، وتضمينه المادة (25) من تلك القواعد و التي تنص على: "يشترط ألا يتضمن الانتاج العلمي للمتقدم أكثر من بحثين منشورين أو مقبولين للنشر في عدد واحد من نفس الدورية أو المؤتمر العلمي و لا تقبل الأبحاث التي تنشر ONLINE إلا إذا كانت من قبل ناشر معلوم دوليا". لذا نوجه تلك الصرخة لأبنائنا بالجامعات و مراكز البحوث العربية، بالحذر من تقديم أبحاثهم للنشر في تلك الأوعية الوهمية و أولئك الناشرون الجشعون.
و تتفق كافة المحافل العلمية العالمية الرصينة على شروط عامة للأوعية (الدوريات Periodicals) التي يتم النشر العلمي بها ومنها الآتي:
1- أن تصدر عن جهة علمية معترف بها (جامعات-معاهد- مراكز بحوث-جمعيات علمية- دور نشر ذات سمعة علمية طيبة).
2- أن يكون لها هيئة تحرير (Editorial Board) و يفضل ان يكونوا من الأكاديميين المتخصصين ذوي خبرة و سمعة طيبة في مجال النشر الأكاديمي.
3- أن يكون لها (إن أمكن) هيئة استشارية علمية من الثقات (Scientific Advisory Body).
4- أن يظهر بوعاء النشر قواعد التحرير تبين كيفية كتابة الأبحاث و طرق تقديمها و آلية مراجعتها و تحكيمها و خطوات قبول البحوث و النشر.
5- أن يكون وعاء النشر في مجال التخصص للمتقدم.
6- أن يكون لوعاء النشر ترقيم دولي(الرقم الدولي الموحد للدوريات International Standard Serial Number (ISSN) و رقم تأثير (IF) في حالة الدوريات التي مر علي صدورها سنتين على الاقل.
7- أن يكون قد صدر منها بضع أعداد منتظمة على الأقل، و تكون مفهرسة و ملخصات أبحاثها تظهر في الأدلة العالمية المعترف بها (مثل: Thomson Reuters ; the Science Citation Index Expanded and Journal Citation Reports/Science Edition. ).
انتقادات و سمات المجلات ودور النشر الوهمية:
هناك بعض الانتقادات و السمات العامة للدوريات العلمية و دور النشر الوهمية على شبكة الإنترنت والخاصة بالنشر المفتوح (Open Access Publishing and Fake Scientific Journals/publishers)، يمكن إجمالها في الآتي:
1- الموافقة السريعة على النشر للأبحاث المقدمة دون تحكيم أو مراعاة جودة النشر، مما يؤدى لنشر أبحاث خادعة و لا معنى لها.
2- تقوم دور النشر تلك بحملات دعائية إليكترونية قوية لحث/ترغيب الأكاديميين لتقديم أبحاثهم أو إشراكهم في هيئات التحرير.
3- عمل مجالس إدارات و هيئات تحرير من الأكاديميين دون إذن منهم، بل و عدم قبول استقالاتهم منها (مثل المشكلة التي يخوضها كاتب هذا المقال مع دورية Int. J. Genet. Mol. Biol. و دار النشر Academic Journals).
4- تعيين هيئات تحرير بأسماء أكاديميين وهمية، و في بعض الحالات يكون المحررين أو المراجعين ليس لديهم الخبرة الأكاديمية التي تؤهلهم لإنتاج منشورات علمية جيدة و ذات جودة نشر مقبولة.
5- غالبية تلك المواقع لا تحمل عناوين أرضية واضحة تبين مقار عملهم، و تتحايل لتلقى الرسائل بعناوين بريدية مختلفة، و أساليب غامضة و عناوين مبهمة لتلقى الأموال.
6- تتم عملية التحكيم و المراجعة (إن تمت؟) في وقت قصير جداً و سريع (على سبيل المثال تستغرق 10- 15 يوما بين تقديم البحث و النشر) مما يثير تساؤلات حول دقة عملية المراجعة و التحكيم وجودة عملية النشر.
7- تقليد (أو سرقة) أسماء أو مواقع الدوريات الأكثر رسوخاً و ذات الشهرة العالمية.
8- الغالبية العظمى من تلك الدوريات الوهمية لا يرد لها أي ذكر في أدلة و فهارس الدوريات القياسية ولم يتم فهرستها على نطاق واسع في قواعد بيانات المكتبات.
9- لا توجد سياسة واضحة للحفظ الرقمي لتلك المجلات على شبكة الانترنت، فكثيرا ما تختفي بعد فترة.
10- بعض الدوريات تجمع بين اثنين أو أكثر من المجالات العلمية المتباعدة و التي عادة لا تجمع سوياً. على سبيل المثال: "المجلة الدولية للفلسفة والعلوم الاجتماعية [IJPSS]"، و "المجلة العالمية للعلوم الصيدلانية والتعليم[GJPSE]".
11- كثيراً ما تدعى الدورية الوهمية أو الناشر الوهمي بأنه يتم فهرسة الدورية و الإشارة إليها و نشر ملخصات أبحاثها في قواعد البيانات العالمية المشهورة، وهذا غالباً غير حقيقي.
12- تقوم دور النشر الوهمية (الوصول الحر open access) بإصدار عدد هائل من الدوريات العلمية (تتجاوز المئات) و في مجالات مختلفة و خلال فترة زمنية وجيزة من عمر دار النشر تفوق قدرة أي دار نشر عريقة، (مثال ذلك دور النشر الوهمية الأتية: Academic and Scientific Publishing: 355 titles -Scientific Research Publishing: 351 titles -International Scholars Journals: 343 titles - BioInfo Publications: 292 titles111 : Academic Journals.
13- في بعض الأحيان يقوم الناشرون الوهميون بنسخ أهداف ومجالات النشر و معلومات أخرى من دوريات عالمية مرموقة و راسخة و نقلها لمجلاتهم حرفياً على الإنترنت، و هناك حالات عديدة سجلت لتك السرقات.
14- بعض الناشرون الوهميين للوصول الحر (Open Access Publishers) يتعمدوا ابتكار أسماء جاذبة و مضللة لدورياتهم، و ذلك بالاستيلاء على أسماء المجلات الراسخة و ذات الشعبية، مع إضافة كلمات رنانة عليها مثل"الدولية " (International) أو "العالمية " (Global) أو "الأمريكية" (American) أو "الأوربية" (European) أمام أسماء دورياتهم المزعومة، على سبيل المثال:"المجلة الدولية للفيزياء التطبيقية (International Journal of Applied Physics [IJAP])، في حين أن المجلة الأصلية هى: "مجلة الفيزياء التطبيقية" (Journal of Applied Physics) يتم إصدارها منذ العام 1931من قبل المعهد الأمريكي للفيزياء AIP (American Institute of Physics).
| ||||
البريد الالكتروني: k.z.ahmed@mu.edu,eg |
Best Wishes: Dr.Ehab Aboueladab - Email:ehab10f@gmail.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق