adsbygoogle

الاثنين، مايو 13، 2019

التعليم المصري في بداية الألفية الثالثة - بقلم الاستاذ الدكتور هاني مرعي - كلية الطب البيطري جامعة المنصورة


الحياة في مصر تتأرجح كثيرا بين التضارب والتضاد في مستويات المعيشة والتفكير والطبقات الاجتماعية المكونة لنسيج المجتمع المصري، وعلى الرغم من ذلك كانت ولا تزال قضية التعليم من القضايا الأساسية الهامة لكل فئات المجتمع المصري سواء غنيا أو فقيرا.
وبداية مجانية التعليم كانت فكرة من طه حسين والذي ذكر في كتابه "مستقبل الثقافة في مصر" ان من بين أمانيه ان تستطيع مصر في ظل إمكانياتها الاقتصادية المتواضعة أن تحقق مجانية التعليم بمرحلة التعليم الابتدائي، ثم إذا ما استطاعت مد هذه المجانية إلي مراحل التعليم الثانوي قد تكون أنجزت عملا كبيرا.
وقد تحقق حلم طه حسين صاحب المقولة الشهيرة التعليم كالماء والهواء «عندما تم تعيينه وزيرا للمعارف في حكومة الوفد في 12 يناير 1950 التي شكلها مصطفى باشا النحاس حيث أصر طه حسين علي عدم قبول المنصب إلا إذا استكمل قرار مجانية التعليم ليشمل مجانية التعليم الثانوي.
ومع صدور الدستور المؤقت الذي صدر في عام 1964 وبالتحديد المادة رقم 38 التي نصت علي: أن التعليم حق للمصريين جميعا تكفله الدولة.. وهو في مراحله المختلفة في مدارس الدولة وجامعاتها بالمجان.، أصبحت مجانية التعليم واقع فرح به كثيرا المصريين وكان سببا رئيسيا في شعبية جارفة للزعيم الراحل جمال عبد الناصر.
وبعد مرور حوالي 55 عاما على تطبيق مجانية التعليم في مصر علي مستوي التعليم الابتدائي والثانوي والجامعي وتعدي تعداد سكان مصر مستوى المائة مليون مقارنته بستة عشر مليون نسمة في الستينات من الألفية الثانية كان لزاما علينا ان ندرس بعناية أثار مجانية التعليم على المجتمع المصري إيجابية كانت او سلبية حتى نعرف إذا كنا نسير في الطريق المنشود الذي حلم ان يسير فيه رواد الالفية الثانية من المفكرين أمثال طه حسين ومن القادة السياسيين أمثال جمال عبد الناصر.
وبدون الدخول في إحصائيات تفصيلية عن نسب المتعلمين في المجتمع المصري في بداية الألفية الثالثة ونسب الحاصلين على درجات جامعية أولى من ليسانس و بكالوريوس أو دراسات عليا سواء دبلوم أو ماجستير أو دكتوراه فيمكن القول ان تطبيق التعليم المجاني بداية من حقبة الستينات من الألفية الثانية قد أفرز أعداد كبيره من المتعلمين وإن كان تعليما نوعيا أكثر منه تعليما كيفيا.
واقصد بالتعليم النوعي هو تخريج أعداد كبيرة من الكوادر التعليمية المتخصصة في مجالات عدة منها المجالات الطبية والهندسية والعلوم الإنسانية والاقتصادية والاجتماعية وأصبح هناك فائضا كبير في بعض التخصصات عن حاجة سوق العمل المحلي في مصر، وحيث ان سوق العمل في أي دولة يخضع لقانون العرض والطلب فكان حتما على بعض التخصصات ذات الأعداد الزائدة عن حاجة سوق العمل المصري أن تلجأ الى البحث عن فرص عمل خارج البلاد وخاصة في الدول العربية وأحيانا في الدول الأوروبية أو الولايات المتحدة الأمريكية.
وحيث أن طبيعة العمل داخل الدولة المصرية تتأرجح بين القطاع الزراعي الذي يتطلب وجود عمالة فنية سواء مدربة أو غير مدربة والقطاع الإداري للدولة والتي يشمل حاليا أكثر من ستة ملايين موظف سواء في وظائف صغري أو عليا بالإضافة إلى القطاع الطبي من أطباء بشريين وصيادلة وأطباء أسنان وأطباء بيطريين والقطاع الهندسي الذي يشمل العديد من التخصصات الهندسية سواء الإنشائية او الكهربائية او الميكانيكية وغيرها، وهناك قطاع العمالة الفنية في التخصصات المتعددة من سباكة ونجارة واعمال التكييف وأعمال التشييد والبناء.
وأستقر نظام التعليم المجاني المصري منذ ما يقرب عن 55 عاما وحتي الأن على التعليم الحكومي بمراحله الابتدائي والإعدادي والثانوي، وقامت الدولة ببناء الآلاف من المدارس الحكومية في جميع مراحل التعليم ويمكن القول ان الغالبية العظمي من قرى مصر يوجد بها مدرسة ابتدائية وإعدادية إما المدارس الثانوية فقد غطت أيضا كل المراكز والمدن المصرية بالإضافة إلى عدد لا بأس به من القري.
وتشمل المناهج الدراسية التي تدرس في المراحل الابتدائية حتى الثانوية تدريس علوم الحساب والرياضيات والعلوم والتاريخ والجغرافيا واللغة العربية وبعض اللغات الأجنبية وخاصة اللغة الإنجليزية واللغة الفرنسية والألمانية بالإضافة إلى تدريس علوم الدين، ومع نهاية المرحلة الإعدادية يتم تقسيم الطلاب إلى شعبتين أساسيتين وهما شعبة التعليم الثانوي والتعليم الفني، حيث تشمل شعبة التعليم الثانوي قسمين وهما قسم العلوم وقسم الرياضيات وهي الأقسام المؤهلة للالتحاق بقطاعات التعليم الطبي أو الهندسي في المرحلة اللاحقة من التعليم الجامعي.
وخلال الخمسين عاما الماضية اختلفت رغبات المصريين في الحاق ابنائهم بشعب وأقسام التعليم الفني والثانوي، وحلمت الغالبية العظمي من المصريين بإلحاق أبنائهم بما يسمي كليات القمة وهي كليات الطب أو الهندسة وأصبحت باقي التخصصات من علوم إنسانية واجتماعية واقتصادية رغبة ثانية أو ثالثة لجموع الأسر المصرية.
وفي بعض الأحيان قد يحول المستوى الاقتصادي أو الاجتماعي للعديد من الأسر المصرية أن تلحق ابنائها بالتعليم الثانوي أو الجامعي رغبة في تحويل مسار أبنائهم للعمل فيما يمتلكون من أراض زراعية قد تحتاج عدد كبير من العمالة أو رغبة في اكتساب صنعة ما قد تتفوق فيها إحدى الأسر وتريد أن لا تفقد تلك الصنعة التي يعتبرونها مصدر للدخل المعتبر بالنسبة لهم.

ومع الزيادة السكانية الرهيبة والزيادة المطردة في أعداد الطلاب زادت الكثافة العددية للفصول في جميع المراحل الدراسية ووصل متوسط أعداد الطلاب في الفصل الواحد إلى أكثر من 70 طالب، ووفقا للمعايير المتعارف عليها الخاصة بالكثافات المقبولة والتي تسمح بتعلم المهارات اللازمة والمؤهلة لسوق العمل او المؤهلة للالتحاق بالمراحل التالية من التعليم، حالة الأعداد الكبيرة من الطلاب دون وجود تعليم نوعي يضمن تعلم واكتساب المهارات العملية المؤهلة لأسواق العمل كما تراجعت الرغبة في اللحاق بركب العلوم الحديثة وأصبح التعليم إلى حد كبير يتم بصورة نظرية مما ادي الي وجود فجوه كبيره بين التعليم المصري وما يتم في الدول التي تقدم تعليم حديث عالي الجودة.

وهنا وجدت الأسر المصرية أن حلم التعليم المجاني أصبح حلما في مهب الريح، لأن المدرسة الحكومية أصبحت لا تلبي رغبتهم في تقديم وجبة تربوية وعلمية تؤهل أبنائهم للحاق بركب التطوير والتحديث واكتساب المهارات التي قد تضمن لهم وجود فرصة حقيقية للعمل وتكملة مشوار الحياة في مصر.
وحيث ان مصر دولة دينية فإن المشوار الكلاسيكي والتقليدي للحياة هو ان يتعلم الطالب حتي الحصول علي الشهادة الجامعية أملا في الحصول على فرصة عمل مناسبة قد تساعده على بدء حياته وتجهيز مستقبله من تكاليف أصبحت باهظة جدا وخاصة مع بداية الالفية الثالثة حيث وصلت تكلفة الحصول على شقة سكنية مليون جنيه مصري في المتوسط وباقي التكاليف اللازم لبدء حياة أسرية قد تتعدى نصف مليون أخر، وهنا بدأت الأسر المصرية في التساؤل في ظل هذا الواقع الجديد الذي لم يطرأ على بال طه حسين او على بال وخاطر القيادة السياسية التي وعدتهم بالتعليم المجاني أن ينتهي بهم الحال إلى وجود الآلاف من خريجي الجامعات المصرية الذين انهوا تعليمهم الجامعي ولا يجدون فرصة عمل مناسبة تسمح لهم ببدء حياتهم المستقبلية.
وبالتوازي أدى تدهور حال المدارس الحكومية إلى ظهور القطاع الخاص وظهور ما يسمى المدارس الخاصة للغات و فروع المدارس العالمية والتي وصلت مصاريفها في بعض الأحيان إلى مبالغ خيالية، وزعمت تلك المدارس الخاصة إنها الأمل في تأهيل أبناء الصفوة بكل ما هو جديد وأنها قادرة على المساعدة في توفير فرص عمل مميزة لأبنائهم، وتسابق رجال الأعمال والطبقة الفوق متوسطة من الشعب المصري والتي تمثل حوالي 40% من الشعب المصرى وفقا لأخر التقارير الاقتصادية حيث اشتملت تلك الطبقة على كبار موظفي الدولة ورجال الأعمال وطبقة المستفيدين من رجال الأعمال، وأصبحت تلك المدارس حلما مستحيلا للطبقة المتوسطة والتي انتهت إكلينيكيا مع تطبيق الإصلاحات الاقتصادية وتعويم العملة في عام 2018.
وبين المناهج الغير مطورة في المدارس الحكومية و الكثافات الطلابية التي تحول دون تحقيق تعليم حقيقي، المصروفات الباهظة في المدارس الخاصة تحول التعليم المصرى إلى نوع من الوجاهة الاجتماعية أكثر منه غرض للتنوير والثقافة والتأهيل الي فرص عمل حقيقية، وأصبح التعليم للكثير من المصريين هو مجرد الرغبة في الحصول على أي شهادة جامعية تضمن الزواج من مستوى تعليمي معين، حيث ان الشهادة الجامعية في مصر تعتبر من أهم متطلبات الزواج وبدونها سوف ينحصر صاحب التعليم الفني او القبل جامعي في نفس المستوي التعليمي ومن الصعب جدا أن يطمح في الارتباط من فئة أعلى، وبنفس التفكير أصبح المستوي التعليمي على مستوى الكليات من أهم مسوغات الزواج حيث أن القطاع الطبي من الأفضل أن يرتبط بمثله وهكذا بالنسبة لباقي القطاعات، فقد المجتمع الرغبة في التعليم بعد أن أصبحت ما يسمى بكليات القمة تخرج عاطلين عن العمل ورفعت الدولة يدها عن عمليات التعيين والتكليف واصبح خريجي الجامعات المصرية في مهب الريح بين سوق عمل يتطلب مهارات خاصة من علوم وقدرة على التحدث باللغات الأجنبية وبين خريجي حكومي غير مؤهل.
وكما هو الحال على مستوى التعليم القبل جامعي، فلقد عجزت الجامعات الحكومية تحت ضغط قلة الموارد وضعف موازنة التعليم وفي ظل الكثافات العددية الرهيبة عن تقديم تعليم متطور يتماشى مع ما يتم تدريسه في الجامعات العالمية المناظرة في ظل تطور اقتصاد المعرفة والثورة التكنولوجية الرابعة بعد ان فاتنا قطار الثورات الثلاثة الأولى.
وايضا ظهرت الجامعات الخاصة والتي ولدت من رحم الجامعات الحكومية بأغراضها الاستثمارية والتي أصبحت صورة طبق الأصل من الجامعات الحكومية بمناهجها غير المتطورة وعدم قدرتها على تأهيل الطلاب إلى أسواق العمل الحديثة، ومع مرور السنين والأعوام يمكن القول أن هناك فجوة علمية قد تتخطى مئات الأعوام بين ما يتم تدريسه في الجامعات الحكومية والخاصة ونظيرتها العالمية، فمعظم المناهج التي تدرس ترجع علومها إلى علوم فترة الخمسينات والستينات من الألفية الثانية وهي بعيدة كل البعد عن العلوم الحديثة وبالتالي فإن خريجي الجامعات المصرية هو خريج يحتاج إلى المزيد والمزيد من التدريب والتزود بالعلوم الحديثة من خلال الشغل على نفسه والتعلم الذاتي والاحتكاك بالمجتمعات المتطورة، وبدون ذلك لن يستطيع ان يتنافس مع أقرانه من خريجي الجامعات العالية.
وفي ظل هذا الصراع، وبعد أن وجدت الجامعات الحكومية أنه لا فرق كبير بينها وبين الجامعات الخاصة فالجميع في الهوى سوا كما يقولون، وأن الجامعات الخاصة قد تحقق مكاسب خيالية بينما تركت الجامعات الحكومية تعاني من ضعف الموارد في ظل ضعف شديد في مرتبات أعضاء هيئة التدريس في الجامعات الحكومية وقلة التمويل اللازم لإجراء البحث العلمي اللازم للترقية، وأصبحت الترقية وإجراء الأبحاث الضعيفة والتي تبعد كثيرا عن العلوم والأبحاث الحديثة في العالم المتطور ما هي الي وسيلة للترقية من أجل الحصول على بضع جنيهات قد تساعد على القيام بتوفير أعباء الحياة لأستاذ جامعي لديه من المتطلبات الحياتية له ولأبنائه الذين يعانون مثل باقي فئات الطبقة المتوسطة في إيجاد فرصة عمل مناسبة حتي يستطيعوا ان يلبوا متطلبات الحياة في مصر من شراء شقة باهظة الثمن أو الوفاء باحتياجات المعيشة والزواج وغيرها.
وهنا ظهر اتجاه جديد في الجامعات الحكومية يتمثل في إنشاء ما يسمى البرامج الخاصة بمصروفات وما هي ألا استنساخ للبرامج الحكومية بمصرفات قد تقل كثير عن الجامعات الخاصة ووجد بعض أعضاء هيئة التدريس ان تلك البرامج من الممكن ان تحقق لهم بعض القليل من الموارد التي تكاد تسد احتياجاتهم المالية المتزايد، إلا أن الحقيقة تقول ان هذه البرامج التعليمة الخاصة لم تحدث أي تطوير في مستوى التعليم او تنعكس بالإيجاب على الجامعات الحكومية حتى ذهب القاسم الأكبر من دخل تلك البرامج في مرتبات القائمين على التدريس فيها دون انعكاس حقيقي على تقديم برامج تكسب الطلاب العلوم الحديثة و تؤهلهم للمنافسة في أسواق العمل المحلية أو الإقليمية او الدولية.
وفي ظل كل تلك الأحداث وعدم تحقيق تطور حقيقي في نظام التعليم المصري ظهرت رؤي وفلسفات قد تبدو جديد في تطوير نظام التعليم قبل الجامعي والتعليم الجامعي المصري.
وعلي مستوي التعليم القبل جامعي، أصر الوزير الجديد ان التابلت وبنك المعرفة هو الحل، وكان لزاما لتطبيق هذا النظام على طلاب المرحلة الثانوية تجهيز البنية التحتية لأكثر من 5000 مدرسة حكومية بالإنترنت فائق السرعة الأجهزة اللازمة لتحويل المقررات إلى مقررات إلكترونية، وذهب الطموح وهو لم يحدث في أي من دول العالم حتى المتطور منها الي تسليم طلاب المرحلة الثانوية تابلت لكل طالب، وهو عبء كبير على ميزانية التعليم الضعيفة في مصر.

والمشكلة ان تطبيق التعليم الإلكتروني وتحويل الامتحانات الى امتحانات الكترونية وامتحانات اون لاين أصبح غاية وليست وسيلة، فالتطوير الحقيقي للتعلم يكمن في معلم مؤهل قادر على استيعاب والتعامل على العلوم الحديثة في ظل الثورة الصناعية الرابعة واقتصاد المعرفة، وليس في امتحانات اون لاين وتابلت لكل طالب كما يكمن التطوير الحقيقي في وجود استراتيجية جادة من الدولة بربط بأهداف التنمية والاحتياجات المستقبلية لسوق العمل في الدولة، فمن غير المعقول أن يتم تدريس مناهج غير مطورة من مدرسين غير قادر علي استيعاب علوم العصر الحديث، كما ان فلسفة التعليم لا تكمن في استيراد ما يسمى بنك المعلومات المصري حيث أصبح العالم قرية صغيرة وفي كل ثانية يضاف الي المجتمع الإنساني في شتى علوم المعرفة ملايين الأبحاث الاكتشافات الحديثة، إذن فالتعليم الحقيقي لا يكمن في ملء عقول الطلاب بالمعلومات ولكن يكمن في تعليم الطالب كيفية الحصول علي المعلومة وفهمها استعدادا لتطبيقها.
وبالتوازي تمثلت استراتيجية وزارة التعليم العالي في تطوير منظومة التعليم الجامعي المصري في إنشاء العديد من الجامعات الخاصة والجامعات الأهلية وفتح الباب لإنشاء أفرع للجامعات العالمية المرموقة في مصر، وقد تبدو خطة التطوير في بادئ الأمر مجدية وأنها من الممكن ان تؤدي الي تطوير ملموس في منظومة التعليم العالي الجامعي في مصر، الا انه بالنظر الي استراتيجيات التطوير في الدول النامية التي اتخذت واعتمدت استراتيجيات مماثلة واعتمدت بصورة كلية على الخبرات الأجنبية وإنشاء فروع للجامعات العالمية ومنها بالتحديد ما حدث في دول الخليج التي امتلأت بفروع الجامعات العالمية و استنسخت نفس النظم الإدارية والمقررات والمناهج وطرق التدريس الحديثة، إلا ان الواقع يقول ان التطبيق والاستنساخ لا يمكن ان ينعكس بالإيجاب على منظومة التعليم في الدول المستنسخة وأن معادلة التطوير والتنوير وتحقيق الازدهار تكمن في وجود عقول قومية قادرة على التطوير والتنوير والابتكار وقادرة على التعامل مع معطيات العصر والتطورات العلمية والتكنولوجية الحديثة في شيء فروع العلم والمعرفة، فكانت النتيجة محتومة وجود أفرع عديدة لجامعات عالمية في معظم دول الخليج، وعدم مساهمة تلك الجامعات في تطوير القدرات العقلية والفكر العلمي والتعليمي لشعوب الدول الخليجية، وحيث أن الحكمة تقول أنه من المستحيل الحصول على نتائج أفضل من خلال تطبيق نفس المقدمات ونفس النظم، فعلى العكس من التطور المنشود فإن إنشاء فروع الجامعات الدولية في دول الخليج قد أدى إلى استنزاف موارد الدولة وأصبحت مصدر كبير للدخل للدول التي تنتمي إليها تلك الجامعات وكان مردودها الفكري والمعرفي او مردودها على تأهيل كوادر المجتمع الوطني للحصول الي فرص عمل أفضل او تحقيق منافسة حقيقية في أسواق العمل غير مؤثرة.
وحيث أننا لسنا لدينا رفاهية وفرة الموارد كما في دول الخليج، فإن تطبيق والتوسع في إنشاء أفرع الجامعات العالمية في مصر يبتعد تماما عن فلسفة الحلم المصري بوجود تعليم مجاني كالماء والهواء، وسوف يؤدي إلى استنزاف موارد الدولة و يزداد الغني غنى والفقير فقرا سواء على مستوى المجتمع المصري وخاصة فيما يتعلق بالسلام الاجتماعي والعواقب الناجمة على التقسيم الطبقي لخريجي الجامعات المصرية حيث سوف يضاف تصنيف طبقي جديد وتقسيم الخريجين الي خريجين محليين بالطبع غير مؤهلين لسوق العمل وخريجي دوليين ذات وجاهة دولية ولكن ليس لديهم أي ميزة نسبية داخل أسواق العمل المحلية ولا يعرف بالتحديد إذا ما كان لديهم قدرات حقيقية على الوصول لأسواق العمل الدولية.
إذن فلسفة التعليم المصري التي بدأت في الستينيات مع الألفية الثانية وهو أن التعليم المصري مجانا علي جميع مراحله قد تاهت مع بداية الالفية الثالثة، واصبح هناك حاجة ملحة لتدارك الأمر ومراجعة أحلام الألفية الثانية وهل من الممكن أن تصلح كلغة للتعامل مع معطيات الألفية الثالثة؟
هل من الممكن أن يتم تقديم تعليم مجاني عالي الجودة يتناغم مع تغيرات مجتمع المعرفة والثورة الصناعية الرابعة، هل من المحتمل أن يتم إحداث نقلة نوعية في التعليم ماقبل الجامعي والجامعي في وجود سياسات واضحة تبعد تماما الكفاءات عن قيادة منظومة التعليم الجامعي؟ وأكاد أجزم أن السياسات الحالية في ظل غياب الكوادر التي لديها القدرة على التفكير خارج الصندوق والتفكير بخطط شاملة تتضمن إحداث نقلة نوعية على مستوى قطاعات التعليم والبحث العلمي في الجامعات المصرية فمن المستحيل أن يتم إحداث تطوير حقيقي في منظومة التعليم الجامعي.
نحن ياسادة نحتاج لآلاف طه حسين والاف من المبدعين القوميين الذين لديهم القدرة على قلب المنظومة المتهالكة وإنشاء منظومة حديثة تعتمد على الكفاءات الوطنية وان تكون القدرة علي التطوير هي الفاصل في اختيار من يقودون منظومة التعليم الجامعي والقبل جامعي.
وفي رأي المتواضع أن تطوير منظومة التعليم الجامعي من الممكن أن يتأتى مع الاحتفاظ بمجانية التعليم في ظل تغيير شامل للوائح والتشريعات والقوانين التي حولت الأستاذ الجامعي إلى موظف حكومي يعمل بالقطعة ولا يهتم بتطوير نفسه أو مقرره، وان نظام التعيين في مناصب أعضاء هيئة التدريس يجب أن يكون من خلال تطبيق نظام تقييم حقيقي يقيس قدرة الأستاذ الجامعي على فهم العلوم الحديثة ومساهمته في منظومة العلوم الحديثة وقدرته على نقل تلك العلوم الحديثة إلى أبناء وطنه.
ومع الإقرار بكل سلبيات نظام التعليم المصري الحالي من مناهج طويلة جدا ومعلومات قديمة جدا فإن فلسفة التعليم الحديث يجب أن تأخذ في الاعتبار الكم الهائل من المعلومات وقواعد البيانات المتوافرة من خلال وسائل الاتصال الحديثة، وأن الهدف من التعليم يجب أن يكون هو إكساب الطلاب المهارات التي تؤهلهم للبحث على المعلومة الجديدة والتي يمكن تطبيقها المعلومة التي تمكن الاقتصاد القومي من النهوض والمنافسة في الأسواق العالمية الشرسة، المعلومة التي تدعم اقتصاد الدولية وقدرات الدولة الاقتصادية وتوفر وتحقق الرفاهية لشعبها، دون ذلك فنحن ليس بحاجة الى المزيد من الأطباء والمزيد من خريجي كليات الحقوق والتجارة والآداب وغيرها، نحن في حاجة الي من لديه القدرة على تطبيق المعلومات الحديثة الموجودة فعلا على المستوى الإنساني والقدرة على استحداث ابتكارات حقيقية تنعكس بالإيجاب على مقدرات الدول’
وخلاصة فكر تطوير التعليم يمكن تلخيصها في التالي:
- تدريب المعلمين وأعضاء هيئة التدريس على أحدث ماوصل إليه العلم
- تطوير المقررات وتغيير فلسفة أهداف المقررات واقتصار المقررات على المعلومات الأساسية الحديثة لكل تخصص
- تدريب الطلاب على كيفية البحث على المعلومة وتنمية مهارات التعلم الذاتي لديهم
- اكساب الطلاب اللغات الأجنبية اللازمة لتفاعلهم مع المجتمع الدولي
- زيادة ميزانيات البحث العلمي والتركيز على البحوث وبراءات الاختراع ا ذات المردود على للاقتصاد القومي
- ربط خطة تطوير التعليم بالاحتياجات الفعلية لسوق العمل
- الاحتفاظ بمجانية التعليم، وضع معايير تضمن وصول النابغين للتعليم العالي والتركيز على التعليم الفني وكليات المجتمع مع إيجاد فرص عمل مجدية اقتصاديا لخريجيها
- ربط البحث العلمي والابتكار
- خطة استراتيجية قومية للابتكار وفقا للاحتياجات المحلية والعالمية

انه الابتكار إنه الإبداع أنه الطريق الوحيد الذي سلكته كل الدول المتقدمة، والتي فشل في الوصول إليه حتى الآن نظام التعليم المصري!!

Best Wishes: Dr.Ehab Aboueladab - Email:ehab10f@gmail.com

ليست هناك تعليقات: