ربما تشبه حكاية اكتشاف فيروس «كورونا» المسبب لـ"متلازمة الشرق الأوسط التنفسية"، وما وصلنا إليه حاليا من خطر كبير داهم، بات يهدد الجميع، حكايات المسلسلات الدرامية العربية، وقد تتعدى ذلك لتصبح فيلم هندي مكتمل الأركان!
ويعتبر فيروس كورونا الفيروس السادس من فصيلة الفيروسات التاجية. أطلق عليه في البداية عدد من الأسماء المختلفة مثل شبيه سارس أو سارس السعودي، واتفق مؤخراً على تسميته فيروس كورونا المسبب لـ"متلازمة الشرق الأوسط التنفسية"، وينتمي الفيروس إلى إحدى العائلات الفيروسية الكبيرة المعروفة بتأثيرها على الإنسان والحيوان وتسمى باسم كورونوفيريدي، وكورونا كلمة لاتينية تعني التاج، حيث أن شكل الفيروس يأخذ شكل التاج تحت مجهر الإلكترون. والدكتور علي محمد زكي هو أول من أكتشف هذا الفيروس في يونيو 2012، وتمكن فريق طبي مشترك من السعودية وأميركا من عزل فيروس كورونا المسبب للالتهاب الرئوي الحاد من إحدى عينات الخفافيش من المناطق التي سجلت فيها حالات مؤكدة للمرض في السعودية. بينما أظهرت دراسة اخرى أعدها فريق هولندي نُشرت في دورية "لانست" الطبية، أن الإبل وحيدة السنام قد تكون مصدر فيروس كورونا الشرق الأوسط. وترجِّح نتائج الدراسات أن يكون مصدر العدوى لهذا الفيروس هو الجِمال، وكذلك احتمالية أن تكون الخفافيش هي مستودع العدوى لهذا المرض. ويسبب الفيروس مثله مثل فيروس سارس التهابا في الرئتين وارتفاعا في حرارة الجسم وإصابة بالسعال وصعوبات في التنفس، لكنه يختلف عن الفيروسات الأخرى لأنه يسبب فشلا في الكلى.
وقد عاد الحديث بقوة عن فيروس كورونا مؤخرًا بعد تزايد حالات الإصابة، وأعربت منظمة الصحة العالمية، عن قلقها إزاء انتشار الفيروس في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك عدد الحالات التي تم تسجيلها في الأسابيع الأخيرة، خاصة في المملكة العربية السعودية والإمارات. وتعتبر السعودية الأكثر اصابة بالفيروس والدول الأخرى التي ثبت وجود حالات فيها هي بريطانيا، قطر، الأردن، فرنسا، الإمارات وتونس.
ومن الملاحظ ان لجميع الحالات المرضية صلة ما بالشرق الأوسط، وأن معظم الحالات المبلَّغ بها كانت من السعودية، التي أشارت وزارة الصحة بها إلى ارتفاع عدد الذين أصيبوا بهذا المرض منذ سبتمبر 2012 إلى 261 حالة، والعدد في تزايد مستمر. وأتي إعلان وزارة الصحة المصرية عن اكتشاف 4 حالات لجمال مصابة في مصر، والذي تلاه الإعلان في مطلع هذا الأسبوع، عن اكتشاف أول إصابة بفيروس كورونا في مصر، وهي حالة لشاب يبلغ من العمر 27 سنة، يعمل بالسعودية ليزيد الطين بلة، وسط قلق كبير وخطر يحيق بالجميع.
وتبدأ حكاية الفيروس الجديد في عام 1993 عندما استقطب مستشفى في المملكة العربية السعودية الدكتور علي محمد زكي، ليعمل في مجال الفيروسات، وقام زكى بتأسيس مختبر للفحوصات الفيروسية في المستشفى. وبعد سنة من عمله لاحظ أن بعض المرضى لا يتم تشخيص مرضهم بشكل جيد لأن نتائج فحوصاتهم للأمراض المتوطنة بالمملكة عادة ما تكون سلبية. وبعد سنوات، اكتشف زكي بمساعدة باحث فرنسي، أن هؤلاء المرضى مصابون بفيروس جديد من عائلة فيروسات حمى الضنك، وأطلق على الفيروس الجديد اسم «الخمرة» نسبة لمنطقة الخمرة في جدة، حيث سجلت أول حالة إصابة به. وأدى هذا الاكتشاف إلى تشخيص الحالات المرضية بشكل جيد، وحصول المرضى على العلاج الملائم بعد النجاح في الكشف عن المسبب للمرض.
وبدلا من تكريم الدكتور زكى تقديرًا للاكتشاف الذي ساعد في إنقاذ الكثيرين من المرضى، فوجئ بغلق المستشفى للمختبر بحجة ضغط النفقات. وأرسل الدكتور زكى أسرته للقاهرة وتهيأ للالتحاق بها، لكن وزارة الصحة أخبرته قبل موعد رحيله بيوم أنه ممنوع من السفر وأنه رهن التحقيق. وقضى ستة أشهر في جدة بلا عمل وغير قادر على العودة لمصر. ويقول لإذاعة هولندا: «انتهيت إلى الشارع لا عمل ولا دخل مالي وأسرتي غادرت إلى مصر، هكذا عشت لمدة نصف عام قبل أن تصلني رسالة بأن المستشفى قد قرر استيعابي في وظيفة بالمعمل».
وبعد أن عاد إلى العمل بالمختبر من جديد، وفي صيف 2012، أدخل مريض كان يعاني التهابًا حادًا في الجهاز التنفسي للمستشفى، وأجرى الدكتور زكى تحليلًا لفحص فيروسات الأنفلونزا المعروفة فكانت النتائج سلبية، وأجرى مزيداً من التحاليل ولم تتغير النتائج. ولهذا قام بإرسال عينة لمختبرات وزارة الصحة، فعملت فحصاً واحداً على أنفلونزا الخنازير وحين ظهور نتيجة سلبية تركوا الحالة. ولكن ضميره المهني أبى أن يرضى بهذا التحليل، وأمتد شكه إلى أن المريض مصاب بنوع غير معروف من الفيروسات التاجية، فأجرى فحص العينة لتأتي النتيجة إيجابية وأرسل عينة للفحص في مختبر هولندي فأكدوا صحة نتائجه بإصابة المريض بفيروس جديد من عائلة كورونا، فأعلن الطبيب نتائجه عبر وسيلة تواصل بين الأطباء تسمى "بروميد". وفي اليوم التالي لإعلانه نتاج فحوصاته، زار فريق من وزارة الصحة الطبيب وفتحوا معه تحقيقاً، ولهذا سارع بمغادرة جدة في اليوم التالي خوفاً من تكرار تجربته السابقة.
ويؤكد الدكتور زكي والذي نال "جزاء سنمار" نتيجة لاكتشافه، على إنه تصرف وفق المعمول به ولم يتجاوز سلطاته، وإنه أرسل عينة من الفيروس وتوصيفا له إلى وزارة الصحة السعودية، وفشلت السلطات في تحديد ماهيته. بينما عبرت السلطات الصحية السعودية عن غضبها لتصرف الدكتور زكي، معتبرة أنه لم يبلغها بحقيقة الفيروس. وأضاف "مع ذلك نجحت أنا بمختبر صغير وبموارد قليلة في الكشف عن كون الأمر يتعلق بهذا الفئة من الفيروسات القاتلة." وأوضح "لم أفعل أمرا غريبا. فكل مصحات جدة ترسل عيناتها إلى الخارج للتأكد وأنا كنت أعمل في مصحة خاصة وليس في مستشفى حكومي." ولم يخف البروفيسور زكي "سعادته" بفصله من السعودية قائلا "لا ألومهم في النهاية فقد أرسلت إليهم العينة ولكنهم فشلوا في فحصها." وقررت السلطات السعودية إنهاء عمل الدكتور زكي الذي توقع أن يستمر الفيروس في الانتشار في المنطقة.
وتحتدم الآن معركة الملكية الفكرية لهذا الفيروس المخيف، الذي نجح الدكتور زكي في عزله في يونيو 2012، من رجل توفي في أعقاب ضيق حاد في التنفس وفشل كلوي. وبعد أن عجز عن تحديد سبب الوفاة اتصل بالسلطات الطبية السعودية محاولا إقناعها بضرورة التنبه وعدم ترك الأمر، واتصل أيضا بعالم معروف هو الدكتور رون فيوشيه الذي يشرف على مختبر علمي في هولندا، والذي اشتهر في العالم باكتشافه فيروس أنفلونزا الطيور H1N5 وأكّد أنّ الأمر يتعلق بسلالة قديمة غير معروفة من فيروس كورونا، انحدرت على ما يبدو من الخفافيش، قائلا إنّ العينة كانت إيجابية المصل. واعتبر زكي أن الحرب الدائرة بشأن الملكية الفكرية للفيروس أمرًا عاديًا، مؤكدًا إنه لا يخشى أن تقوم هيئات أو أطراف من داخل السعودية أو خارجها "بالسطو على اكتشافه" وأن كل شيء موثق ولا شيء يمكنه أن يبعد اسمه وحقوقه الأكاديمية بشأن الموضوع.
ومنذ أيام تم إعفاء وزير الصحة السعودي، لتزايد انتشار حالات الإصابة بفيروس كورونا، في المملكة. ومن العجيب أن المشرف العام على المختبر الإقليمي ومدير إدارة المختبرات وبنوك الدم في صحة جدة صرح مؤخرًا عن اعتقاده بأن الطبيب المصري الذي اكتشف فيروس كورونا منذ نحو عامين وراء انتشاره لمخالفته المعايير الدولية للمختبر الذي أجريت فيه زراعة الفيروس. وقال: "لا أحد يعلم ماذا حدث بعد زراعة الفيروس واكتشافه قبل عامين، فقد يكون حضّن في الجو وأصبح الناس حينئذ حاملين للمرض، وبالتالي قد يكون سبب انتشار فيروس الكورونا هو الطريقة غير السليمة والآمنة التي من خلالها تمت زراعة الفيروس". وأتهم الدكتور زكي بأنه كان يسعى لتحقيق مكاسب شخصية له دون النظر للمصلحة العامة وأن هذا ممنوع وفق أنظمة وزارة الصحة، لذلك تم إبعاده من البلاد. وقد لاقى هذا التفسير استهجان معظم القراء السعوديين، وظهر ذلك من تعليقاتهم على هذا التصريح المنشور بموقع إحدى الصحف السعودية.
ولم يتم التوصل حتى الآن إلى لقاح يمنع انتشار الإصابة بهذا الفيروس. وبعد أن طالبت وزارة الصحة السعودية من لديه فكرة أو مقترح بحثي لعلاج المرض، نشرت شبكة السى إن إن الإخبارية، أن هناك باحث متخصص في شئون السنة النبوية، دعي وزارة الصحة السعودية لإجراء الأبحاث حول مادة تسمى "القسط" المكونة للعود الهندي، ودراسة تأثيراتها على فيروس كورونا مستندا إلى حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فيه " عليكم بهذا العود الهندي، فإن فيه سبعة أشفية، يستعط به من العذرة، ويلد به من ذات الجنب" كما ورد في صحيح البخاري.
والعذرة يقصد بها وجع الحلق والتهاب اللوز والسعال والأمراض التي تدور حول ذلك والجهاز التنفسي، أما ذات الجنب يكون في جنب الإنسان مثل الكلى والتهاب المسالك البولية. وتحدث الباحث عن فوائد تلك المادة في إدرار البول، وطرد السموم بجانب قتل الدود في الأمعاء، وقال: "إن العلاج من ذلك الفيروس ربما يكمن في هذه المادة لأنه من خلال البحث يمكن وجود بعض الأعراض المشتركة بين "ذات الجنب" والفيروس الجديد، وبينها الحمى والسعال وضيق التنفس ومشاكل الجهاز التنفسي والبلغم، تلك الأعراض الناتجة عن الفيروس". فهل تستجيب الوزارة لتنفيذ هذه الفكرة أم تستعين بإحدى
الشركات العالمية المتخصصة لتصنيع لقاح مضاد للفيروس، هذا ما ستجيب عنه الأيام القادمة.